أعاد بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة إسرائيل، في حديث له أمس الأحد مع دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الحالي للرئاسة، “معزوفة” كان قد كرّرها على مسامع الرئيس الحالي جو بايدن وكبار المسؤولين كوزيري الخارجية أنتوني بلينكن، والدفاع لويد أوستن ومنطوقها أن حكومة إسرائيل “تسمع ما يطلبه” المسؤولون الأمريكيون (والغربيون عموما) ولكنها تنفّذ “ما تمليه عليها مصالحها”.
يكرّر ترامب، بدوره، تصريحات شديدة الانتفاخ عن أنه لو كان في سدّة الرئاسة لما كان هجوم “حماس” قد حصل، ولما جرت الحرب في لبنان، ولما كانت الحرب الأوكرانية – الروسية قد اندلعت، من دون أن ننسى مزاعم قدراته هذه على وقف تاريخ العالم عن الحدوث بتصريحه الأشهر الذي يعد بإعادة أمريكا “عظيمة من جديد”.
بدل النزوع التلقائي للتبجّح عن قدراته سابقة الذكر على ضبط العالم على ساعة أمريكا، اختار ترامب استخدام كلام نتنياهو للتصغير من شأن أمريكا، فبايدن، حسب قوله، “يقول لنتنياهو ألا يفعل هذا أو ذاك، وبيبي (اسم التدليل لنتنياهو) ببساطة يتجاهل تعليماته ولا يستمع إليه”، وبذلك “حسّنت إسرائيل موقفها حول الصراع في الشرق الأوسط”.
يتجاهل ترامب طبعا أن إعادة نتنياهو الفكرة عن رفض إسرائيل للإملاءات الأمريكية يفكك ضمنا ادعاءات الرئيس السابق عن قدراته الأسطورية على منع حصول الحروب، فإذا كان فتح إسرائيل حروبا ضد الفلسطينيين، واللبنانيين، ثم الإيرانيين، “يحسّن موقفها حول الصراع في الشرق الأوسط”، فهل سيمنع ترامب، لو كان في سدّة الرئاسة، حصول الحروب كما يدّعي، أم ستتحوّل أمريكا التي أضحت “عظيمة مجددا” إلى تابع للدولة العبرية، وسينفّذ هو بدوره “ما تمليه مصالح” إسرائيل، وبالتالي ستكون إدارته مجبرة على خوض الحروب التي يقرّرها نتنياهو؟
يشير سياق الأحداث في غزة ولبنان واليمن وإيران، حتى الآن فعلا، إلى تراجعات متواصلة لإدارة بايدن أمام نتنياهو، فواشنطن كانت، وما تزال، المموّل الرئيسي للحروب التي تخوضها إسرائيل على هذه الجبهات، والمزوّد الرئيسي للآلة الحربية الإسرائيلية بالسلاح والذخائر، والمسؤول عن حماية إسرائيل عسكريا وسياسيا (في الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحافل الدولية).
تتحمّل الولايات المتحدة مسؤولية الشراكة في الإبادة الجماعية الجارية ضد الفلسطينيين، كما تتحمّل عواقب توسيع حكومة الاحتلال والعنصرية والإرهاب الإسرائيلية مجالات الصراع في الشرق الأوسط، مع تصعيدها احتمالات حرب شاملة مع إيران، لكن واشنطن، رغم هذه الشراكة الفظيعة مع إسرائيل، لا تملك قرار الدفاع “عما تمليه عليه مصالحها”، أو أن “ما تمليه مصالح إسرائيل” حسب رؤية نتنياهو وشركاه بن غفير وسموتريتش، تتطابق بالضرورة مع مصالح أمريكا نفسها.
كشف تسريب في وسيلة التواصل الاجتماعي “تلغرام” بعضا من الخطط شديدة السرية التي تناقشها أمريكا وحلفائها مع إسرائيل، ولكن انزعاج السلطات التشريعية الأمريكية التي قامت بالتحقيق في هذا الخرق هو مصدر التسريبات وليس منطوقها، فما تقوم به إدارة أمريكا حاليا، من مشاركة إسرائيل في التخطيط لضربة مرتقبة على إيران هو أمر معلن ومعروف، وكان آخر فصوله نقل منظومة الدفاع الجوي الأمريكية المتطوّرة “ثاد”، ومشاركة القوات الأمريكية في صد الهجمات على إسرائيل، وفي تكريس القوّة الأمريكية في كل المجالات الممكنة لدعم إسرائيل.
يعني هذا كله، بشكل أو آخر، أن نتنياهو وشركاه هم الذين يفرضون على إدارة بايدن “ما تمليه” مصالحهم السياسية، وأن جلّ ما تفعله تلك الإدارة هو تقديم المزيد من الدعم لإسرائيل، والمشاركة في عملياتها، وأن ترامب، لو صار رئيسا هو الآخر، فلن يتمكّن من التبجّح بقدرته على إنهاء الحروب قبل وقوعها.