في سابقة تاريخية تنتقد قرار إسرائيل اعتبار أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة «شخصا غير مرغوب فيه» أعلن مجلس الأمن الدولي بإجماع أعضائه، بما فيهم أمريكا وبريطانيا وفرنسا، دعمه الكامل للأمين العام وضرورة أن تمتنع كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة «عن أي إجراء من شأنه أن يقوض عمله وعمل أجهزته» محذرة من أن «أي قرار لا يشمل الأمين العام للأمم المتحدة أو الأمم المتحدة يأتي بنتائج عكسية، خاصة في سياق تصاعد التوترات في الشرق الأوسط».
جاء قرار يسرائيل كاتس وزير الخارجية الإسرائيلي بعد تصريحات لغوتيريش إثر الهجوم الصاروخي الإيراني دعا فيها إلى وقف «الدورة القاتلة من العنف المتبادل» و«التصعيد المروع الذي يقود شعوب الشرق الأوسط إلى الهاوية» وكشف فيها أن إسرائيل رفضت مقترحا أمريكيا فرنسيا لوقف إطلاق النار في لبنان وصعدت ضرباتها بما فيها اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله.
كان المطلوب من غوتيريش، حسب كاتس، أن تكون تصريحات غوتيريش متطابقة مع تصريحات زعماء الدول الحليفة لإسرائيل، كما فعل جو بايدن، الرئيس الأمريكي، وكير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني، اللذان أدانا الهجوم الصاروخي وسكتا عن جرائم إسرائيل المتواصلة ضد الفلسطينيين في غزة والضفة، وانتهاك سيادة لبنان وإيران وسوريا على مدار الأيام والساعات، واغتيالها كلا من إسماعيل هنية في قلب طهران، ونصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، ثم بدء هجماتها البرية على لبنان.
تريد إسرائيل باختصار أن يكون العالم، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومحكمتا العدل والجنائية الدوليتان، أدوات لتغطية إرهابها وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات لسيادات الدول وتقبل هجماتها التحقيرية للدول وزعمائها، سواء كانوا من خصومها أو حلفائها، وإلا فإن هؤلاء جميعا داعمون للإرهاب ومعادون للسامية.
أثارت الضربة الإيرانية الثانية جنون إسرائيل لأنها شملت صواريخ فرط ـ صوتية تمكنت، رغم تشغيل دولة الاحتلال لمنظومة الصد الجوية التي عكفت على تطويرها مدة عشرين عاما، ولكنها رغم «القبة الحديدية» (لصد مقذوفات المدى البعيد) و«مقلاع داود» (للمدى المتوسط) ومشاركة القوات الأمريكية والبريطانية في المنطقة في رصد واعتراض مقذوفات إيران، فإن عددا من تلك الصواريخ وصلت فعلا، كما قالت إيران، إلى أهدافها.
باستثناء بعض الوسائل الإعلامية الإسرائيلية التي تحدثت عن إصابات لحقت قواعد جوية إسرائيلية بسبب الضربة الصاروخية الإيرانية فقد اتفق مسؤولو إسرائيل على قضيتين: الأولى إعلان «فشل» تلك الضربة، والثانية (التي لا تبررها الأولى): إظهار أشكال من الجنون وإطلاق شهوة الانتقام الذي يريد أن يحرق كل ما في إيران من مشاريع نفط وغاز ونووي، وتساوى في ذلك نتنياهو وشركاؤه المسعورون، مع قادة المعارضة كنفتالي بينيت وأفيغدور ليبرمان.
وفي حالة إنكار فظيعة توافق هؤلاء أيضا على تجاهل الإبادة المفتوحة التي تقوم بها إسرائيل في فلسطين ولبنان، حيث اشتغلت آلة القتل والجنون الإسرائيلية، في الأيام الأخيرة، بطريقة غير مسبوقة، فنفّذت طائراتها الحربية هجوما على مقهى في مخيم طولكرم حصد 18 شهيدا، وكانت، مع مطلع فجر أمس، قد قتلت 17 آخرين في غزة، بعد مجازر حصدت 90 شهيدا خلال 24 ساعة قبلها، كما تابعت في اليوم نفسه سلسلة ضربات ضخمة على الضاحية الجنوبية لبيروت.
من على منصة الأمم المتحدة، التي أعلنت حكومته أمينها العام «شخصا غير مرغوب فيه» تحدث نتنياهو عن «حلف البركة» الذي يقضي على «لعنة إيران» وقد كشف إيهود باراك، في حديث مع قناة «سي إن إن» الأمريكية المسكوت عنه في هذا الكلام، وهو أن سيناريو نتنياهو لا يتضمن دول المنطقة العربية وسكانها. سيناريو الجنون الإسرائيلي، نسخة نتنياهو، يتخيّل، بهذا المعنى، إبادة شاملة لكل ما يعتبره خصما، سواء كان غوتيريش، أو «الدول المعتدلة» والمطبعة، أو المدنيين الذين يقفون عقبة في تحقيق مخططاته.