تتدرج المواقف التركية تجاه تطور العملية العسكرية في سوريا التي تتشارك في حدود طولها 900 كم مع بلاد الأناضول، في ظل هواجس لا تستطيع أنقرة تجاوزها تتعلق بالفصائل الكردية المسلحة في سوريا وملايين اللاجئين السوريين لديها.
ويُبرز تتابع الأحداث في سوريا سلسلة من الفرص التركية، والأسئلة والشكوك بشأن دورها في العملية التي أسمتها الفصائل المعارضة “ردع العدوان” والتي يدين قسم كبير منها بالولاء لأنقرة.
وتقدّمت هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها يوم الجمعة نحو حمص، ثالث أكبر المدن السورية، فيما خسرت القوات الحكومية مناطق سيطرتها في محافظة دير الزور في شرق البلاد لحساب القوات الكردية.
تدرج وحذر
وتبدو تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي وصف الرئيس السوري بشار الأسد سابقاً بأنه “مجرم وإرهابي”، حذرة ومتدرجة بعد سيطرة المعارضة على حلب.
الثلاثاء، صرح الرئيس التركي أن الأولوية بالنسبة لبلاده هي الحفاظ على السلام على الحدود”، وتحدث عن “أهمية الحفاظ على وحدة واستقرار وسلامة أراضي سوريا”، ودعا “النظام السوري إلى الانخراط في عملية سياسية حقيقية لمنع تفاقم الوضع”.
الخميس، قال إن مرحلة جديدة “تتم إدارتها بهدوء” في الصراع السوري، والحكومة السورية بحاجة إلى التواصل بسرعة مع شعبها للتوصل إلى حل سياسي، وتركيا تعمل على تهدئة التوتر وحماية المدنيين وتمهيد الطريق لحل سياسي.
الجمعة، عبر عن تمنياته لفصائل المعارضة السورية التي تقاتل ضد الجيش السوري بمواصلة تقدمها في الميدان.
“المعارضة تواصل تقدمها، فالهدف بعد إدلب وحماة وحمص هو دمشق، ونتمنى أن تتواصل هذه المسيرة دون حوادث”، يقول أردوغان الذي أضاف: “وجهنا سابقا دعوة للأسد من أجل تحديد مستقبل سوريا معاً لكن للأسف لم نتلقَ رداً إيجابياً”.
وعلَق مدير أكاديمية إسطنبول للفكر بكير أتاجان عبر بي بي سي، على هذه التصريحات بقوله: “أردوغان طلب مراراً وتكراراً الجلوس مع الأسد لحل المشكلة التي تعرضت لها سوريا وتركيا معاً، لكنه دائما كان يتهرب”.
وحول تمنياته بالوصول لدمشق رأى أتاجان أن أردوغان كأنه يقول “إذا لم تقترب ولم تأت وتجلس معنا، فنحن قادمون أن نجلس ونتفق معك …”، وكأنه يريد القول للأسد بأنه “المنتصر أيضا، وأقصد هنا المعارضة السورية التي انتصرت على الأسد وداعميه”.
وسبق للأسد أن وصف نظيره التركي بأنه “لص” وداعم لـ”الإرهابيين”.
وقالت الباحثة في معهد نيولاينز للإستراتيجية والسياسة كارولين روز لبي بي سي، إن تصريح الرئيس التركي الأخير يشير إلى سعيه إلى إضعاف يد “النظام السوري”، بعد سلسلة من المحاولات الفاشلة لتطبيع العلاقات بسبب “المطالب المتشددة التي يفرضها النظام السوري على تركيا”.
“دور غير مباشر”
رأت روز أن “هذا يشير أيضاً إلى الدور غير المباشر الذي تلعبه تركيا في دعم هذا الهجوم من خلال مجموعات مثل الجيش الوطني السوري”.
ويرفض أتاجان بعض الاتهامات الموجهة لنقرة، ويقول “تركيا متهمة أمام دول عديدة بأنها هي التي تدفع بالمعارضة بخوض هذه العملية، وهذا غير صحيح”.
وذكر أن فصائل معارضة اعتبرت أن تركيا تخلت عنها بعد دعوة أردوغان الأسد للقائه.
تعد هيئة تحرير الشام أبرز المجموعات المشاركة في الهجوم التي تسيطر على معظم مناطق محافظة إدلب شمال غرب البلاد، وتعتبر الأمم المتحدة والولايات المتحدة وتركيا “منظمة إرهابية”.
ووفق رؤية أتاجان، فإن أنقرة تفضل وجود الأسد في الحكم حالياً على تسلم المجموعات المسلحة للحكم، لأنه “شخص متحكم يمثل وجود دولة ومؤسسات”، وتساءل كيف يمكن السيطرة على “المليشيات” الأخرى التي قد يكون لكل جهة منها قرار مختلف؟
حاربت تركيا تمدّد هيئة تحرير الشام في “منطقتها الأمنية” في شمال غرب سوريا. ومارست أنقرة ضغوطا على هذه المجموعة كي تقطع صلتها بتنظيم القاعدة وكي لا تهاجم الأقليات، خصوصاً المسيحيين والدروز.
وتعد غرفة عمليات الفتح المبين تحالفاً يضم مجموعات مسلحة تنشط في شمال سوريا، وتضم “هيئة تحرير الشام” و”الجبهة الوطنية للتحرير” المدعومة من تركيا، وجماعة جيش العزة.
ومن المشاركين “الجيش الوطني السوري”، وهو تحالف من فصائل المعارضة المدعومة من تركيا والتي تعارض القوات الموالية للحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة.
وشارك “الجيش الوطني السوري” في عمليات عسكرية للجيش التركي في شمال سوريا، ويعمل كجيش للحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة السورية ومقرها تركيا، في محاولة لوضع الجيش السوري الحر المجزأ تحت “قيادة موحدة”.
وتضم الفصائل الموالية لأنقرة والمنضوية في ما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري”، مقاتلين سابقين في مجموعات معارضة، مثل جيش الإسلام، وفصيل السلطان مراد، وفصيلا الحمزة وسليمان شاه.
رئيس المجلس الوطني السوري المعارض السابق عبد الباسط سيدا قال لبي بي سي، إن المجموعات المعارضة على علاقة مع تركيا، وهذا ليس سراً، لكنه يعتقد أن “المسألة أبعد من تركيا” خصوصاً بعد جلسة مجلس الأمن الدولي والجدل بين المندوبين الروسي والتركي.
“أتوقع أنه تركيا حصلت على الضوء الأخضر أو حتى الأصفر من الجانب الأمريكي”، يقول سيدا.
وألمح سيدا إلى دور تركي دعم الفصائل، بإشارته إلى الإمكانيات الكبيرة لدى هذه الفصائل خلال العملية العسكرية الأخيرة.