بحضور واسع لجهات حكومية مختصة، وممثلين عن القطاع الأهلي والخاص والأجسام التمثيلية ذات العلاقة بقطاع المحاجر والكسارات والرخام؛ عَقَدَ الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)، جلسة نقاش مسودة تقرير بعنوان: “النزاهة والشفافية في آليات منح رخص المحاجر والكسّارات”، والذي يهدف إلى تعزيز بيئة النزاهة والشفافية والمساءلة في آليات وإجراءات ومعايير منح تراخيص المحاجر والكسارات، ومراقبة مدى الالتزام بها وتحصينها من مخاطر الفساد، وذلك من خلال فحص واقع شفافية إجراءات العمل ونظم المساءلة لعملية ترخيص المحاجر والكسارات والرقابة عليها، والتحديات التي يواجهها هذا القطاع أيضا، بغية الخروج بتوصيات عملية تساعد صناع القرار في تنظيم هذا القطاع الهامّ.
استهلت الجلسة بكلمة من عصام حج حسين، المدير التنفيذي في ائتلاف أمان، والذي سلّط الضوء على صناعة الحجر والرخام في فلسطين كأحد موارد فلسطين الهامة، وإحدى المكونات الهامة للصناعات الفلسطينية والاقتصاد الفلسطيني، باعتباره عنصرا من عناصر التنمية الشاملة والمستدامة، خاصة وأنّ الضفة الغربية تحتوي على مخزون استراتيجي للمادة الخام من هذه الصناعة عالية الجودة التي تلعب دورا أساسيا في بناء الاقتصاد الفلسطيني. وأضاف حج حسين، أن قطاع المحاجر والكسارات يواجه العديد من الإشكاليات والتحديات منها ما هو مرتبط بسياسات الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته التعسفية، وآخر مرتبط بالجوانب التشريعية والمؤسسية والإجرائية على الصعيد الفلسطيني، مع تعدد الجهات ذات العلاقة بعملية الترخيص.
مساهمة عالية لقطاع الحجر والكسارات في التنمية والاقتصاد الفلسطيني
استعرض الباحث الدكتور عبد الرحيم طه التقرير، مشيراً إلى أهمية قطاع المحاجر والكسارات، الذي يعدّ من أكبـر القطـاعات الصناعـية، حيث يُساهم القطاع بحوالي (5)% من الناتج المحلي، و(4.5)% من إجمالي الناتج القومي، كمـا يتصـدر هـذا القطاع الصادرات الفلسـطينية، إذ بلغت صادرات قطـــاع حجـــر البناء في الفترة ما بين (2012-2020) ما يقـارب مليار ونصـف دولار.
وأشار د. طه الى التحديات التي تواجه هذا القطاع إن كان على صعيد منح التراخيص المتعلقة بهذه المنشآت وتعدد التشريعات والأطراف ذات العلاقة، وخاصة فيما يتعلق بالمعايير البيئية والصحية والسلامة.
سياسات الاحتلال الإسرائيلي تهديد يتطلب تعزيز إعادة تنظيم قطاع المحاجر والكسارات في إطار تعزيز الصّمود
يواجه قطاع المحاجر والكسارات العديد من الإشكاليات والتحديات، التي يعتبر جزءا منها مرتبط بسياسة سلطات الاحتلال الإسرائيلي، من حيث تحكّمها في منح تراخيص المحاجر والكسارات في المناطق (ج)، في الوقت الذي توجد فيه محاجر وكسارات إسرائيلية مرخصة في المناطق الفلسطينية بقرار من الإدارة المدنية الإسرائيلية، ناهيك عن إجراءات الاحتلال التعسفية اليومية من خلال مداهمة المحاجر، ومصادرة معداتها وفرض غرامات باهظة على أصحابها، إضافة الى الإجراءات والقيود الإسرائيلية على المعابر التي تعيق مرور منتجاتها إلى السوق الإسرائيلي والعالم الخارجي. إضافة إلى ذلك، هناك انتشار للمحاجر والكسارات بشكل عشوائي أو غير منظم في كافة محافظات الوطن، ما يلحق ضرراً بالأراضي الزراعية والبيئية والتجمعات السكانية، فهناك محاجر وكسارات تعمل بلا ترخيص، مع ورود شكاوى من مواطنين حول الأضرار البيئية منها، إضافة لضعف دور هيئات الحكم المحلي في متابعة متطلبات إنشاء هذه المحاجر والكسارات. ويفيد التقير بأنّ كمّ التحديات الموجودة، يوجب تبني سياسة وطنية لتنظيم هذا القطاع، تشمل مخططات معدة مسبقا حول مواقع إقامتها، ودور ذلك في الموازنة بين المصلحة الوطنية والمصلحة الاقتصادية والبيئية وغيرها.
وجود 11 تشريع يحوي على صلاحيات وإجراءات ومسؤوليات مرتبطة بترخيص المحاجر والكسارات دون وجود نافذة موحّدة
ساهم تعدد هذه التشريعات في زيادة العبء البيروقراطي على المواطن في إجراءات الترخيص أو تجديد الرخص، وأضعف منظومة الرقابة، ما يشكل تحديا أمام تحقيق مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة في عملية الترخيص ومتابعة عمل هذه المنشآت. كما لم يُصدر مجلس الوزراء الأنظمة التنفيذية الخاصة بقانون المصادر الطبيعية، ونظام النافذة الموحدة لترخيص المحاجر والكسارات.
على الرغم من أن قانون الصناعة أوجب إنشاء نافذة موحدة لترخيص المحاجر والكسارات، إلا أنه لم يتم إنشاءها حتى اللحظة، وإنما تتولى وزارة الاقتصاد الوطني- وزارة الصناعة حاليا – ترخيص المحاجر والكسارات، وذلك بالتنسيق مع بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية كوزارات الحكم المحلي والزراعة والصحة وسلطة جودة البيئة.
فيما يخص سياسة النشر، تنشر الجهات الحكومية ذات العلاقة بترخيص المحاجر والكسارات المعلومات المتعلقة بعملية الترخيص من حيث المتطلبات والنماذج والإجراءات والرسوم على المواقع الالكترونية لها، وضمن أدلة الإجراءات الصادرة عنها، كما تنشر وزارة الاقتصاد الوطني تقارير شهرية وأخرى سنوية عن عدد المحاجر التي يتم ترخيصها وتجديد ترخيصها. ولكن على خلاف ما يتطلبه القرار بقانون بشأن الشركات رقم (42) لسنة 2021، لا يتم نشر المالكين الحقيقيين لأصحاب الشركات، الأمر الذي يتيح فرصا لقيام أفراد أو شركات بالعمل كواجهة لأي جهة فلسطينية أو أجنبية مستترة للحصول على التراخيص، ومباشرة العمل لمصلحة هذه الجهات، الأمر الذي يضعف من الرقابة الرسمية والمجتمعية، والإفلات من العقاب في حالات وجود تضارب مصالح.
ضرورة إقرار تشريع موحد ينظم عملية ترخيص المحاجر والكسارات
أجمع المشاركون على ضرورة إقرار تشريع موحد ينظم عملية ترخيص المحاجر والكسارات، وغير ذلك من المسائل التفصيلية المتعلقة بعملية الترخيص، ومتابعة تصويب أوضاع المنشآت العشوائية، وأن يتم تخصيص مناطق معينة لإقامة المحاجر والكسارات بناء على دراسات معدة مسبقا بهذا الخصوص، تراعي كافة النواحي الجيولوجية والاقتصادية والبيئية والصحية، مع التقيد بالشروط والإجراءات والمتطلبات اللازمة لعملية الترخيص، وعدم مخالفة أحكامها.
كما تم الاجماع على ضرورة إنشاء نافذة موحّدة لترخيص المحاجر والكسارات لدى وزارة الصناعة، بالتنسيق مع الجهات المختصة، وذلك امتثالا لأحكام القرار بقانون بشأن الصناعة، وتفعيل الرقابة الحكومية والتفتيش الدوري على هذا القطاع، إضافة إلى إقرار سياسة وطنية واضحة ومحددة لترخيص المحاجر والكسارات تعمل على تشجيع الاستثمار الفلسطيني، وتعزيز صمود الفلسطينيين في المناطق المسماة (ج) بالدرجة الأولى، ووضع ضوابط للاستثمار في قطاع المحاجر والكسارات.
مداخلات من الأطراف المشاركة في اللقاء
ومن جانبه، أكد المهندس سهيل حرزالله من وزارة الصناعة -المستحدثة من وزارة الاقتصاد الوطني- إلى عدم وجود أي قرارات استثنائية لأية طرف في موضوع إقامة المحاجر والكسارات. وأكد حرزالله، أهمية تنظيم هذا القطاع، من حيث وجود نظام موحّد للعملية كاملة، إضافة لوجود نافذة موحدة، مشيراً أنه تم تقديم مسودة نظام ترخيص المحاجر والكسارات لمجلس الوزراء قبل سنتين، على أن تقوم بموجبه لجنة تراخيص بدراسة جميع الملفات المقدمة لها. كما أشار حرزالله بدوره إلى أهمية تفعيل الرقابة والتفتيش على هذا القطاع.
كما نفت المهندسة منال فرحان، المستشارة القانونية في وزارة الصناعة، إلى وجود أي كسارة عشوائية مرخصة، لأن ذلك يحتاج إلى تغيير صفة الاستخدام إلى “صناعي”، ما يحتاج إلى موافقة وزارة الحكم المحلي، والزراعة، وسلطة جودة البيئة.
وأفاد المحامي مراد المدني، المستشار القانوني لسلطة جودة البيئة، أن أي ترخيص يصدر دون أن يمر على لجنة التقييم البيئي هو قابل للطعن من المحكمة، وأن اللجنة المذكورة مشكلة من 11 مؤسسة رسمية، توصي من جانبها بإصدار أو عدم إصدار الموافقة البيئية، بناء على اعتبارات فنية وقانونية وتنظيمية. وقبل تلك العملية برمتها، يوجد لجنة الموافقات البيئية. كما شدد المدني على أهمية الرقابة على القطاع بهدف الإصلاح والتطوير.
ومن جانبه، وضح المهندس أمجد خراز من سلطة جودة البيئة ضرورة تفعيل الرقابة وإعمال إجراءات صارمة وغرامات على المحاجر غير المرخصة والمخالفة لضوابط أماكن إقامتها.
وعقّب المقدم نائل العزة من الدفاع المدني حول الاستثمار الآمن في المحاجر والكسارات، والإنفاق على شروط السلامة والوقاية وتصويب أوضاعها، حيث أن أي منشأة يراد ترخيصها، يجب أن تحصل على ترخيص من الدفاع المدني.
وأكد د. ماهر حشيش، الأمين العام للاتحاد العام للصناعات، أن التمكين الاقتصادي هو الضمانة لتثبيت صمود المواطن على أرضه، مشيراً أن قطاع الحجر من القطاعات الاستراتيجية والركيزة الأولى للصادرات، وبالتالي ضرورة استثمارها وتوظيفها لتوفير فرص عمل لعشرات آلاف العاملين، ومنهم العاملين سابقا في اسرائيل قبل السابع من أكتوبر. وانتقد د. حشيش ضعف دور الحكومة في دعم هذا القطاع، وعدم تنفيذ توصيات اللجان الوزارية المنبثقة منها.
فيما شدد رجل الأعمال مصطفى الطريفي، على بعض الأمور التقنية الواجب تصويبها من حيث مساحة الكسارات المرخصة، وضرورة وجودها خارج حدود البلدية، في منطقة منخفضة القيمة، تبعد ما لا يقل عن 500-1000 متر من حدود المخطط الهيكلي.
وأشار الطريفي الى جملة التحديات التي نواجهها من قبل الاحتلال الاسرائيلي، موضحا الاجراءات التي تسهم في إضعاف قدرة المستثمر الفلسطيني على منافسة الكسارات الاسرائيلية داخل الخط الاخضر، موضحاً أن عددها يصل إلى 68 كسّارة، والتي تقوم على أراضٍ حكومية عامة، مستأجرة بموجب عقود لغاية 49 عاما، ومقامة على أراض منخفضة القيمة، تخضع لعملية منظمة من منح التراخيص مع وجود مراقبة بيئية، كما أن إنتاجها يأتي أضعاف ما يتم إنتاجه في الضفة الغربية. وطالب الجهات الرسمية بدعم هذا القطاع الوطني عبر تعزيز الرقابة على المنشآت العشوائية وتلك غير المرخصة.
وأفاد المحامي أيمن شاهين، المستشار القانوني في ديوان الرقابة المالية والإدارية، أن قطاع الحجر يحتاج لتعزيز عملية تنظيمه، وأهمية إخضاعه للرقابة، وإعداد التقارير الرقابية حوله، سيما البيئية منها، وفق معايير دولية منظمة.
ومن جهته، أكدّ عصام عبد الحليم، مدير عام الشكاوى والتبليغ والتحري في هيئة مكافحة الفساد، وجود تجاوزات في قطاع المحاجر والكسارات، معلّقاً على إمكانية معالجتها كما يظهر في تفاصيل الشكاوى التي ترد إلى الهيئة، ومشيراً بدوره بأن الهيئة قد تلقّت العديد من الشكاوى بوجود شبهات فساد في هذا القطاع، خصوصًا في موضوع منح التراخيص. كما لفت عبد الحليم، أنه بالإمكان وضع حد للمتجاوزين في المناطق المسماة “جيم” بوسائل عديدة.