يتردد كثيرا في الأوساط العامة أن الذكاء الاصطناعي قادم لسلب البشر وظائفهم، وهو أمر فيه قدر من الصحة، لكن الواقع أكثر تعقيدا، فالقلق من هيمنة الذكاء الاصطناعي على الوظائف بات حاضرا، دون أن نمتلك تصورا دقيقا لكيفية حدوث هذا التحول، أو متى سيقع، أو كم من الوقت تبقى لدينا للاستعداد.
يربط الكثيرون سرعة اعتماد الذكاء الاصطناعي بصعوبة المهام، معتبرين أن الوظائف المعقدة ستكون الأصعب على الذكاء الاصطناعي، والعكس صحيح، لكن هذه الفرضية، رغم شيوعها، لكنها خاطئة في جوهرها.
كيف يتعلم الذكاء الاصطناعي؟
يشبه الذكاء الاصطناعي الإنسان من حيث قدرته على التعلم، لكن آلية التعلم تختلف، فبينما يتعلم الإنسان من التجربة والخطأ، يتعلم الذكاء الاصطناعي من البيانات.
فالنموذج الذي يملك القليل من البيانات يشبه طفلا صغيرا، أما الذي يتغذى على كم هائل من البيانات، فيقارب في خبرته شخصا مخضرما.
عند مقارنة مهمتين كقيادة السيارة وكتابة الشيفرة البرمجية، قد يبدو أن البرمجة أصعب، لكن الواقع في مجال الذكاء الاصطناعي يقول العكس.
تعود بدايات السيارات ذاتية القيادة إلى ثمانينيات القرن الماضي، بينما لم تبدأ نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) مثل ChatGPT في الظهور إلا بعد 2013.
ورغم هذا السبق الزمني، لا تزال السيارات الذاتية تعاني من التذبذب في الأداء، بينما تحقق نماذج اللغة تطورًا مذهلًا.
السبب يعود لوفرة البيانات. النماذج اللغوية تتدرب على محتوى الإنترنت بالكامل. أما السيارات، فتعتمد على تسجيل آلاف ساعات القيادة، في بيئات وظروف نادرة ومتنوعة يصعب التنبؤ بها أو تكرارها.
من سيتأثر أولا؟
وفقاً لتقرير الوظائف لعام 2025 لمنتدى الاقتصاد العالمي، القطاعات الغنية بالبيانات ستكون أول من يتعرض للاضطراب. على رأس القائمة:
البرمجة
يُعد مجال البرمجة من أكثر المجالات التي تأثرت بسرعة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك ليس لأن البرمجة سهلة، بل لأن هناك كما هائلا من البيانات المتاحة لتدريب النماذج الذكية.
منصة GitHub، وهي أكبر مستودع عالمي لتخزين وتبادل الشيفرات البرمجية، تحتوي على أكثر من 420 مليون مشروع (مستودع)، منها 28 مليون مشروع مفتوح المصدر يمكن لأي شخص – أو أي خوارزمية ذكاء اصطناعي – الاطلاع عليه وتعلمه منه.
خدمة العملاء
تمتلك الشركات سجلات هائلة من المكالمات والرسائل والتذاكر الإلكترونية، مما يسهل على الذكاء الاصطناعي تقديم دعم فوري وتوفير يصل إلى 23.5 بالمئة في التكاليف.
التمويل
تستخدم أسواق المال الذكاء الاصطناعي في التداول الخوارزمي، ويُقدر أن 70 بالمئة من تداولات الأسهم الأميركية تتم حاليا عبر أنظمة ذكية تستند إلى بيانات لحظية هائلة.
القطاعات المحصنة.. مؤقتا
في المقابل، هناك قطاعات تواجه تباطؤًا في اعتماد الذكاء الاصطناعي بسبب نقص البيانات:
الصحة
أقل من 10 بالمئة من بيانات العمليات الجراحية متاحة بشكل عام، ويحول قانون الخصوصية الأميركي (HIPAA) دون مشاركة البيانات بحرية. كما أن المعلومات الطبية موزعة بين المستشفيات وشركات التأمين والعيادات بشكل يعيق التعلم الآلي.
الإنشاءات
يُنظر إلى قطاع الإنشاءات على أنه من أكثر القطاعات مقاومة لتبني الذكاء الاصطناعي، ليس لأنه معقد تقنيًا بشكل يفوق قدرة الآلات، بل لأن البيئة التي يعمل فيها تفتقر إلى الأساسيات التي يحتاجها الذكاء الاصطناعي لكي يتعلم ويعمل بفعالية.
