قالت صحيفة “الغارديان” البريطانية إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يكرر السياسات الفاشلة والمفلسة أخلاقياً التي انتهجتها إدارة سلفه جو بايدن عبر الدعم الثابت وشحنات الأسلحة غير المقيدة لإسرائيل، حتى مع تراجع بنيامين نتنياهو عن التزامه بوقف إطلاق النار الذي دفعته الإدارتان إلى قبوله.

وأبرزت الصحيفة أن ترامب الذي روج عند انتخابه بأنه يريد أن يكون صانع السلام، بات يخاطر بأن يصبح متواطئًا بعمق في جرائم الحرب الإسرائيلية كما كان بايدن من خلال إرسال مليارات الدولارات من الأسلحة الجديدة إلى حكومة نتنياهو.

وأشارت إلى أنه في خطابه أمام جلسة مشتركة للكونجرس مساء الثلاثاء الماضي، لم يذكر دونالد ترامب غزة أو الشرق الأوسط الأوسع إلا بشكل عابر، ولم يشرح حتى خطته التي تقضي باستيلاء الولايات المتحدة على المنطقة المدمرة وتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، في حين يطرد مليوني فلسطيني إلى الدول العربية المجاورة.

وقالت إن ترامب يسلك بالفعل نفس المسار الفاشل الذي سلكه سلفه بايدن، الذي أرسل لإسرائيل إمدادات غير محدودة تقريبًا من الأسلحة وفشل في استخدام الغطاء السياسي الأمريكي في الأمم المتحدة ومليارات الدولارات من الأسلحة كوسيلة ضغط لوقف حرب الإبادة في غزة.

ولفتت إلى أنه في الأول من مارس، أعلنت إدارة ترامب أنها وافقت على 4 مليارات دولار من الأسلحة الجديدة لإسرائيل بموجب سلطات الطوارئ، مما يعني أن الصفقة ستتجاوز حتى المراجعة السطحية في الكونجرس.

وبعد يوم واحد، حظر بنيامين نتنياهو جميع عمليات تسليم المواد الغذائية وغيرها من المساعدات إلى غزة، وفرض حصارًا جديدًا يهدد بانهيار وقف إطلاق النار الهش الذي تم التوصل إليه في يناير الماضي.

مقارنة بين أوكرانيا وغزة

قارنت صحيفة الغارديان أنه في حين يتعامل ترامب بلطف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، علق هذا الأسبوع جميع المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا، بعد أيام من المواجهة الدرامية التي دارت بين ترامب وفولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض.

ويقول ترامب ومساعدوه إنهم يستخدمون تعليق مليارات الدولارات من الدعم العسكري، إلى جانب توقف تبادل المعلومات الاستخباراتية، كوسيلة ضغط لإقناع الزعيم الأوكراني بالتعاون مع الجهود الأمريكية لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

وقالت الغارديان إن قطع ترامب المفاجئ للأسلحة عن أوكرانيا يثبت أن الرئيس الأمريكي قادر على إنهاء شحنات الأسلحة إلى أي حليف أمريكي بسرعة.

لكن ترامب، مثل بايدن من قبله، يرفض استخدام نفس النوع من النفوذ لإجبار نتنياهو على تغيير سياساته تجاه غزة.

إذ قرر كل من ترامب وبايدن ببساطة أنهما لا يريدان التوقف عن إرسال مليارات الدولارات من الأسلحة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، مما يحرمهما من أقوى نفوذ لهما على نتنياهو وحكومته المتطرفة.

واعتبرت الصحيفة أنه بالنسبة لرجل أعمال يفتخر بقدرته على التفاوض على صفقات صعبة باستخدام تكتيكات قاسية، فإن ترامب مفاوض ضعيف.

إذ إنه يرفض لعب أقوى أوراقه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي لضمان التزام نتنياهو بوقف إطلاق النار الذي دعمه ترامب.

من جهته يعرف نتنياهو أيضًا كيف يسترضي ترامب، ويكون متملقًا بطرق رفض زيلينسكي القيام بها حتى الآن.

وبعد أن أعلنت واشنطن عن أحدث شحنات أسلحة بقيمة 4 مليارات دولار إلى إسرائيل، شكر نتنياهو ترامب بشدة ووصفه بأنه “أعظم صديق لإسرائيل في البيت الأبيض على الإطلاق”.

الدعم غير المحدود لإسرائيل

أبرزت الغارديان أن ترامب حريص للغاية على إظهار دعمه لإسرائيل لدرجة أنه هو وكبار مساعديه يزعمون أن لهم الفضل في صفقات الأسلحة الضخمة التي وافقت عليها إدارة بايدن في أيامها الأخيرة.

ففي إعلانه عن أحدث صفقة تجنبت المراجعة التي أجراها الكونجرس، زعم وزير الخارجية ماركو روبيو أن الإدارة الأميركية وافقت على بيع أسلحة جديدة لإسرائيل بقيمة 12 مليار دولار تقريبا بعد ستة أسابيع فقط من ولاية ترامب الثانية.

ولكن أكثر من 8 مليارات دولار من هذه التحويلات من الأسلحة بدأها بايدن في أوائل يناير/كانون الثاني ، الذي أصر على تسليح إسرائيل حتى نهاية رئاسته على الرغم من تقويضه وإذلاله من قِبَل نتنياهو لأكثر من عام.

وشملت هذه الأسلحة 3000 صاروخ جو-أرض من طراز هيلفاير بقيمة 660 مليون دولار، وعشرات الآلاف من القنابل الثقيلة وقذائف المدفعية ومجموعات التوجيه بنظام تحديد المواقع العالمي وصمامات القنابل، بإجمالي 6.75 مليار دولار.

وتتضمن الدفعة الأخيرة من الذخائر التي وافقت عليها إدارة ترامب أكثر من 35000 قنبلة خارقة للتحصينات أمريكية الصنع بوزن 2000 رطل، والتي تسبب خسائر فادحة عند إسقاطها على المراكز السكانية.

وفي الشهر الأول من حربه على غزة، أسقط الجيش الإسرائيلي مئات القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل على المنطقة – وهي كثافة لا مثيل لها منذ القصف الأمريكي لفيتنام.

والاستخدام الإسرائيلي المكثف لهذه الذخائر الخارقة للتحصينات، إلى جانب ” القنابل الغبية ” التي غالبًا ما تقتل وتجرح المدنيين دون تمييز، يشكل جرائم حرب، وفقًا لخبراء الأمم المتحدة.

وقد طلبت منظمة حقوقية واحدة على الأقل مقرها الولايات المتحدة من المحكمة الجنائية الدولية التحقيق مع بايدن واثنين من كبار أعضاء حكومته بتهمة “المساعدة والتحريض” على جرائم الحرب الإسرائيلية والجرائم ضد الإنسانية في غزة، بناءً على التدفق غير المقيد للأسلحة الأمريكية والدعم الاستخباراتي.

وفي حين أن ترامب لا يحمل سوى ازدراء القانون الدولي، فقد شجعه بايدن وغيره من القادة الغربيين الذين تجاهلوا وحاولوا تشويه سمعة المحاكم والمدعين العامين الدوليين لمدة 15 شهرًا من أجل حماية دولة الاحتلال الإسرائيلي بينما كانت تشن حربها المدمرة على غزة.

انقلاب نتنياهو على وقف إطلاق النار

قالت الغارديان إن ازدراء ترامب للنظام الدولي القائم على القواعد ، والذي تم وضعه بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لإدارة الصراعات العالمية، متجذر جزئيًا في رؤية هذا النظام محطمًا بسبب غزو روسيا لأوكرانيا وتدمير إسرائيل لغزة.

ومع احتفاظ ترامب بإمدادات متواصلة من الأسلحة لإسرائيل، فإن نتنياهو ليس لديه حافز كبير لتغيير المسار وأن يكون أقل عنادًا.

وبالفعل، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يعمل على تقويض وقف إطلاق النار في غزة، والذي تم بوساطة إدارة بايدن ومبعوث ترامب القادم إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف.

وبعد أن انتهت المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في الثاني من مارس/آذار، رفض نتنياهو البدء في المرحلة الثانية، التي تتطلب انسحاباً كاملاً للقوات الإسرائيلية من غزة والتفاوض على هدنة أكثر ديمومة.

وبدلاً من ذلك، يريد نتنياهو تغيير الاتفاق، ويضغط لإطلاق سراح المزيد من الأسرى دون الالتزام بالانسحاب الكامل أو الهدنة طويلة الأمد بسبب مخاوفه من انهيار ائتلافه الحاكم.

وعليه بدعم من ترامب، ينتهك نتنياهو الآن وقف إطلاق النار الذي قبله بفرض حصار آخر على غزة. ويقول المسؤولون الإسرائيليون إنهم نسقوا قطع المساعدات الإنسانية مع إدارة ترامب، التي أصدرت بيانًا ألقت فيه اللوم على حركة حماس لتعليق محادثات وقف إطلاق النار، رغم أن الحركة وافقت على الانتقال إلى المرحلة الثانية.

وشددت الغارديان على أن الحصار الإسرائيلي الأخير يحرم الفلسطينيين من الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والوقود والأدوية – ويدفع غزة مرة أخرى إلى أسوأ أيام الهجوم العسكري الإسرائيلي، ويفتح الباب أمام اتهامات متجددة لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة بدعم أمريكي صريح.

شاركها.
Exit mobile version