ناقش اجتماع مجلس الامن الدولي الاعتداءات الإسرائيلية على المنشآت الصحية في قطاع غزة، حيث أدانت الأمم المتحدة ومنظمات دولية والمندوبون العرب هذا “التدمير الممنهج”، مؤكدين أن استهداف المستشفيات والطواقم الطبية يشكل جرائم حرب.
منصور: “اعتداءات الاحتلال في غزة جرائم حرب صارخة”
أدان السفير رياض منصور، مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة، بشدة اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، مؤكدًا أنها “جرائم حرب صارخة” و”إبادة جماعية”.
واستعرض منصور أمام المجتمعين رواية مؤثرة عن شجاعة الطواقم الطبية الفلسطينية التي تعمل تحت نيران الاحتلال، قائلاً: “الأطباء والعاملون الطبيون الفلسطينيون يقاتلون من أجل إنقاذ الأرواح البشرية ويفقدون أرواحهم في هذا السياق”.
ووصف منصور الواقع المروع الذي يواجهه العاملون في المجال الطبي في غزة، مؤكدًا “أننا مدينون لهم بأكثر من مجرد الذكرى”. وأشار إلى أن “المجتمع الدولي لم يستطع أن يوازي ولو جزءًا من شجاعتهم وتفانيهم في خدمة الإنسانية”.
كما عبر عن شعور الشعب الفلسطيني بالتخلي عنهم من قبل المجتمع الدولي، مسلطًا الضوء على صمودهم في ظل الأوضاع القاسية. وقال: “علينا واجب إنقاذ الأرواح، وعلى هذا المجلس واجب إنقاذ الأرواح”.
تورك: “كارثة حقوق الإنسان في غزة مستمرة أمام أعين العالم”
أكد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، أن غزة تشهد “كارثة مستمرة في مجال حقوق الإنسان”، موضحًا أن أساليب الحرب الإسرائيلية أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد واسع النطاق ودمار شامل، مما يثير مخاوف جدية بشأن الامتثال للقانون الدولي.
وفي إحاطة قدمها عبر الفيديو كونفرنس، أشار تورك إلى تقرير حديث أصدره مكتبه، يوثق منهجية الهجمات على المستشفيات في الفترة من 7 أكتوبر 2023 إلى 30 يونيو 2024. وأوضح أن هذه الهجمات تشمل غارات جوية إسرائيلية، تليها اقتحامات برية واحتجاز مرضى وموظفين، مما يجعل المستشفيات عاجزة عن تقديم خدماتها.
وشدد تورك على أهمية حماية المستشفيات أثناء الحروب، داعيًا جميع الأطراف إلى احترام هذه المبادئ في جميع الأوقات.
وأشار إلى التدمير الذي ألحقته قوات الاحتلال بمستشفى كمال عدوان، آخر المستشفيات العاملة في شمال غزة، واصفًا هذا الهجوم بأنه انعكاس لنهج الهجمات الموثقة في التقرير.
وأضاف أن إجبار المرضى والموظفين على مغادرة المستشفى واحتجاز البعض منهم، بمن فيهم المدير العام، ترافق مع تقارير متعددة عن التعذيب وإساءة المعاملة.
وأكد: “عدم احترام المبادئ الإنسانية يشكل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني. الهجمات المتعمدة على المستشفيات والأماكن الطبية، باعتبارها ليست أهدافًا عسكرية، تُعد جرائم حرب. وفي ظروف معينة، قد يصل تدمير منشآت الرعاية الصحية المتعمد إلى عقاب جماعي، وهو أيضًا جريمة حرب”.
بيبركورن: القطاع الصحي في غزة على وشك الانهيار مع عمل 16 مستشفى فقط بشكل جزئي
صرّح ممثل منظمة الصحة العالمية في الأرض الفلسطينية المحتلة، ريك بيبركورن، بأن نحو 7% من سكان قطاع غزة قد قُتلوا أو أصيبوا بجروح منذ أكتوبر 2023، مشيرًا إلى أن أكثر من 25% من المصابين، والبالغ عددهم حوالي 105 آلاف، يعانون من إصابات خطيرة غيّرت حياتهم، ما يستدعي جهودًا مكثفة لإعادة التأهيل وعلاجًا طبيًا طويل الأمد.
وأضاف أن المستشفيات في غزة أصبحت مرارًا ساحات للمعارك، مما يجعلها عاجزة عن تقديم خدماتها الأساسية ويترك المحتاجين بدون رعاية منقذة للحياة. وأكد أن النظام الصحي في القطاع يتفكك بشكل منهجي بسبب النقص الحاد في الإمدادات الطبية والمعدات والأطقم المتخصصة.
وأوضح بيبركورن أن 16 مستشفى فقط من أصل 36 في غزة تعمل جزئيًا بقدرة استيعابية تبلغ 1822 سريرًا، وهي أقل بكثير من الاحتياجات اللازمة للتعامل مع الأزمة الصحية الكارثية.
وتطرق إلى بطء عمليات الإجلاء الطبي، حيث يوجد أكثر من 12 ألف شخص بحاجة ماسة إلى نقلهم خارج القطاع لتلقي العلاج، بمن فيهم آلاف الأطفال، مؤكدًا أن استمرار هذه الوتيرة البطيئة يعني أن إجلاء جميع الحالات قد يستغرق من 5 إلى 10 سنوات.
ورغم التحديات، شدد بيبركورن على أن منظمة الصحة العالمية وشركاءها يبذلون كل ما في وسعهم لدعم النظام الصحي والحفاظ على استمرارية الخدمات الطبية. ومع ذلك، أشار إلى وجود عراقيل كبيرة، بما في ذلك القيود على إدخال الإمدادات إلى غزة.
وأضاف أن 40% فقط من مهام منظمة الصحة العالمية في غزة لعام 2024 تم تنفيذها، مما أثر بشكل مباشر على قدرة المنظمة على توفير الإمدادات الضرورية للمستشفيات ونقل الحالات الحرجة ونشر فرق الطوارئ الطبية.
الطبيبة حاج حسن: “الكوادر الصحية في غزة ترسل استغاثات منذ أكثر من عام”
أوضحت الطبيبة تانيا حاج حسن أن العاملين في القطاع الصحي بغزة يوجهون منذ أكثر من عام نداءات استغاثة إلى مجلس الأمن، في محاولة لوقف العنف الذي يستهدفهم.
وأكدت حاج حسن، التي عملت في تدريس الطب والمستشفيات في غزة، أنها تعرفت عن قرب على كفاءة وجهود الكوادر الصحية. وقالت: “رغم الحصار القاسي، نجحوا بشكل مذهل في بناء نظام صحي شامل، وتقديم رعاية طبية عالية الجودة للمرضى، بالإضافة إلى تطوير تعليم طبي متميز للأجيال الجديدة من الأطباء”.
وأضافت: “إنهم محترفون يفتخرون بعملهم ويأخذون قسمهم الطبي على محمل الجد”.
وأشارت إلى أنه منذ أكتوبر الماضي، بات العاملون في القطاع الصحي “أهدافًا واضحة للعنف العسكري الإسرائيلي”، حيث قُتل أكثر من ألف شخص منهم.
وأكدت الطبيبة: “يخبرنا العاملون أنهم مستهدفون فقط لأنهم يعملون في مجال الصحة، وأن ارتداء الملابس الطبية البيضاء أصبح أشبه بوضع علامة استهداف على ظهورهم. ذلك لأن المستشفيات والعاملين في المجال الصحي يمثلون رمزًا للحياة والإصرار على حماية الإنسانية”.
مندوب الجزائر: “قوات الاحتلال تتصرف وكأن القانون الدولي غير موجود”
قال السفير عمار بن جامع، مندوب الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة، إن الاحتلال الإسرائيلي يسعى بشكل متعمد لتهجير الفلسطينيين قسريًا من أرضهم من خلال سياسة تطهير عرقي واضحة.
وأشار إلى أن “الأرقام تتحدث عن نفسها”، موضحًا أن ما يحدث هو تدمير منهجي للنظام الصحي في غزة، حيث أصبحت 53% من المستشفيات خارج الخدمة، فضلاً عن استشهاد عدد من الأطباء أثناء اعتقالهم في سجون الاحتلال.
وأكد بن جامع أن “قرارات مجلس الأمن تبدو بشكل متزايد بلا تأثير”، مشددًا على أن “قوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة تتصرف كما لو أن القانون الدولي غير موجود أو لا ينطبق عليها”.
ودعا إلى إنهاء “الإفلات من العقاب” والحصانة التي تتمتع بها قوات الاحتلال، مطالبًا بـ”محاسبة كاملة” على انتهاكات القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان في غزة. كما طالب مجلس الأمن باتخاذ إجراءات حاسمة ودعوة لوقف دائم لإطلاق النار في القطاع.